باسم سكجها يكتب: رحيل بعد رحيل وحزن بعد حزن

يكاد الرثاء والحزن يُصبح عادة يومية، ولا يبدأ القلم في الكتابة عن رحيل حتى يباغته رحيل جديد، فكأنّ الأمر أصبح حفلة موت مفتوح على آخره، وكأنّ الأحباء اختاروا أن يذهبوا إلى دارهم الأخيرة جماعات لا فُراداً…

لم أكتب عن رحيل أمّي، فقد جفّ الحبر حين وسّدها إبني في قبرها، ولكنّني حاولت الوقوف على قدميّ الاثنتين، فهذا ما كانت تعرفه عنّي، وعلّمتني عليه، وظننتُ أنّني قادر على المواصلة بعد أفقد الفقدان…

وتتواصل رحلة الرحيل، فأواصل مسك قلمي، ومنعه من الكتابة لأنّ لا حبر فيه، ويأتيني خبر خالتي وهي أمّي الثانية، فأشارك في دفنها بعد أن أكفكف دموعي، وأواصل، ويأتيني خبر صديقي عبد الرحمن العبوشي فيرتعش القلم، ويأتيني نعي العمّ الغالي صلاح أبو زيد فأتذكّر قلمه حين كتب لأبي من لندن رسالة تاريخية بدأها بقوله: أنا لست غاضباً ولكنّني حزين، وفيها من البوح ما يمكن للتاريخ أن يُسجّل، وكان ذلك يوم إغلاق صحيفة “الشعب”…

عند عودته إلى عمّان، ومن مطار ماركا، تمّ اقتياده إلى سجن المحطة لسبب مناكفة الحكومة، وليس دقيقاً ما تمّ تداوله عبر التاريخ من أقوال تفوّه بها، في المطار، ودليلي أنّ الراحل الحسين اتّصل به بعد سنة تماماً من ذلك اليوم، وكأنّه يذكّره بأنّ الأمر قد نُسي، وأنّه يحتفظ له بكلّ الحبّ، ودليلي أيضاً أنّ الراحل العظيم عيّنه مستشاراً خاصاً بعدها سنوات…

بعد اتصال الحسين بأبي عماد، إتّصل صلاح ابو زيد بوالدي وكان من أصدقاء عمره، وقال له: تعال، تعال عندي يا برهوم، بدي أشوفك! وهذا ما حصل، ومع عودته في آخر الليل كان والدي يحدّثني عن سعادة ما رآها منه في حياة صداقته، لأنّ الحسين الكبير تذكّره في الوقت المناسب، وقال له ما قال مما يستاهله، وأنا أحفظه عن ظهر قلب…

عمّي أبو عماد جزء من ميراث والدي لي، وقد تعلّمت منه أن أذهب في العيد عند إثنين: جمعة حماد وصلاح أبو زيد، وواظبت علي ذلك، ولكنّ العمّ الأوّل أبا أسعد (جمعة حماد) رحل عند ربّه، والعمّ الثاني سافر إلى الإمارات، وفي صباح يوم يأتيني هاتفه، وبصوته الجهوري الأثير يقول لي: نعم، فما كتبته صحيح وأشكر ابراهيم في قبره أنّه خلّفك! كنت كتبت مهاجماً نهجاً ما، واتصاله كان من دبي…

يطول الرثاء والحزن، في عام صعب من الفراق، ومن ثمّ يأتيني خبر رحيل أخي وصديقي الغالي عوني بدر، وللحديث بقية!

إغلاق